في عام 1963 صدرت رواية غسان كنفاني "رجال في الشمس" التي تروي حكاية ثلاثة فلسطينيين من أجيال مختلفة، يلتقون حول ضرورة إيجاد حل لمشكلة الإنسان الفلسطيني المعيشية عبر الهروب إلى الكويت. تتمحور الروية حول هدف الوصول هذا. يقرر الثلاثة الهرب في خزان شاحنة يقودها فلسطيني يعمل سائقا على طريق الكويت. وعند نقطة الحدود الكويتية يموت الفلسطينيون الثلاثة لأن السائق تأخر في إنهاء الإجراءات بسبب تلكع الموظفين. يموتون دون حتى أن يقرعوا جدار الخزان أو يرفعوا صوتهم بالصراخ.
حتى اللحظة، لم أقراء ما هو أكثر إيلاما وإرهاقا للنفس وبؤسا من تلك الرواية. رمزية الشخصيات الأربعة الرئيسية بأدق تفاصيلها تكاد تنطبق على كل مواطن بالوطن العربي بإختلاف أجيالهم. كما تكاد تنطبق شخصية موظفي نقطة الحدود على كل حكومات العربية بكل أنواعها ومستوياتها.
منذ عدة أشهر أنتجت الجزيرة وثائقي بعنوان "الكَحُول"، يستقصي إحدى دوائر الفساد المتشابكة فيما يتعلق بالإسكان في محافظة الأسكندرية. طوال مدة مشاهدتي للفيلم وأبطال "رجال في الشمس" متجسدين في ذهني. وعندما إنتهى الفيلم بالشاب الذي فقد 10 أفراد من أسرته دفعة واحدة بسبب إنهيار العقار وهو يقر أنه يعيش في عقار آيل للسقوط أيضا، كان صراخ السائق عندما اكتشف موت الفلسطينيون الثلاثة يرن في أذني:
"لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟ لماذا لم تقولوا؟ لمذا لم تقرعوا جدران الخزان؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟"