والمدن كالبشر.. منها اللئيم.. ومنها الكريم.. منها من تمنحك حُبها بلا شرط، ومنها من تمتص منك الحياة بمجرد أن تطأها قدمك.. قال لي صديق ذات مرة: " القاهرة جميلة كمكان. أهلها هم من يحولونها لجحيم. إذا ما تخلصتِ منهم ستكون أفضل بالتأكيد".. حسنا، كلامه صحيح بشكل ما، إلا أني لا أعلم لم لازلت أكرهها هي هي..بأهلها أو بدونهم.
أحقا تتشرب الأرض أعمال أهلها فتكتسي بها؟ ألذلك أصبحت أرض وسماء القاهرة مشربة برائحة الدم المسفوح ظُلما. وبالقهر والفساد المستشري فيها منذ قرون؟ أم أنني فقط من تتخيل ذلك؟ ذكرياتي المؤلمة معها ومع شوارعها هي السبب؟ أم أنني أتخيل كل ذلك؟ أم أنني أحببت المدن والقرى الأخرى، كما يُحب البشر العلاقات السريعة التي يعلمون جيدًا أنها لن تدوم طويلا، وأنهم مُفارقوها قريبًا؟ كتلك العلاقات التي تبدأ بصورة رائعة اسطورية لمدة قصيرة، فيُكمل الخيال تصور أنها ستكون رائعة هكذا للأبد. لكن في الواقع، فهي كأي نوع من أنواع العلاقات، احتمالية الحسن والسوء فيها متساوية وواردة حتمًا.. نحن فقط عشنا البداية.. البداية فقط.
أحقا تتشرب الأرض أعمال أهلها فتكتسي بها؟ ألذلك أصبحت أرض وسماء القاهرة مشربة برائحة الدم المسفوح ظُلما. وبالقهر والفساد المستشري فيها منذ قرون؟ أم أنني فقط من تتخيل ذلك؟ ذكرياتي المؤلمة معها ومع شوارعها هي السبب؟ أم أنني أتخيل كل ذلك؟ أم أنني أحببت المدن والقرى الأخرى، كما يُحب البشر العلاقات السريعة التي يعلمون جيدًا أنها لن تدوم طويلا، وأنهم مُفارقوها قريبًا؟ كتلك العلاقات التي تبدأ بصورة رائعة اسطورية لمدة قصيرة، فيُكمل الخيال تصور أنها ستكون رائعة هكذا للأبد. لكن في الواقع، فهي كأي نوع من أنواع العلاقات، احتمالية الحسن والسوء فيها متساوية وواردة حتمًا.. نحن فقط عشنا البداية.. البداية فقط.
في ساحة مسجد إبن طولون - القاهرة، ديسمبر 2016 |
*****
المدن كالبشر.. لكلٍ شخصيته...
القاهرة مثلًا أتخيلها كشخص أفنى عمره كله في محاولة الوصول إلى هدف أن يكون الأول في كل شيء.. الأعظم.. الأقوى.. منذ أن كانت "الفسطاط" ثم "القطائع" ثم...ثم القاهرة الخديوية... ثم... ثم مع كل محاولة تبدو الأمور مبشرة، ثم لا تلبث أن ينهار كل شيء. تمشي الأن في شوارعها فتجد آثار كل محاولة.. وجميعهم سويًا يمثلون ندوبًا.. أو لنقل وشومًا في جسد واحد .. تجعله للوهلة الأولى مُربكًا لايُمكنك فك تفاصيله المتشابكة المتداخلة...
النهاية - إن فرضنا أنها النهاية - كيان ذو تجارب عديدة وبلا روح، أو بمعنى أدق، بلا هوية.. بلا هدف.. بلا مبدأ... السعي وراء العظمة وفقط بلا اهتمام بالجوهر أو الروح. كل مرة كانت تُنبى فيها كان الهدف منها التفوق على مدينة أخرى ما. وكان التحسين والتجميل من الخارج فقط. جسد مليء بالوشوم الغير مترابطة وإن كان غير ترابطها هذا في حد ذاته مُعبر عن جوهر صاحبها.. ذلك البائس الذي نسي روحه ونفسه في سبيل سعيه المحموم وراء المجد الظاهري.
كما يُقال عنها دائمًا.. جميلة بهيية..وإن كان من الصعب عليها مقاومة أعراض الشيخوخة. شاخت.. كثيرًا.. لكن روحها وجسدها لازال به بعض الجمال الأصيل.. حتى مع فقدها الكثير من جمالها الظاهري.. أنيقة مع بعض العجز الظاهر. دائما ما أتخيلها كنجمات السنيما الفاتنات في فترة العشرينات وحتي الخمسينات من القرن الماضي. أولئك الفاتنات قديمًا عندما ترى صورة حديثة لهن بعد أن كبرن. وتحاول أنت - جاهدًا - إن تستشف أي مسحة من الجمال الذي اشتهرن بيه في ما مضى.
سيناء:
مَهيبة.. ذات جمال ساحر لكن ليست بالينة السهلة.. عليك فهمها أولا والتعامل معها بحذر واحترام وتقدير شموخها.. لايمكن الاستهانة بها مهما كان .. ولا التعامل معها بسطحية.. إن فهمتها عن صدق ستترك لك حرية استكشاف أعماقها وممراتها الخفية.. ستكشف لك جمالها وأسرارها.. ما إن رأت فيك نباهةً وأنه يمكن الوثوق بك.
أسوان:
النوبة تحديدًا، كما النظرة الحانية في عيون نسائها.. هينة لينة.. وديعة.. ذات أصل ومبدأ.. عزة نفس وعلو همة وقوة.. كل شئ تحت السيطرة فلا داعي للقلق ولنمرح الأن.. ولطول الليل.. ولنتحرك بتروي كما تتحرك مراكبها في النيل.. لا شئ يدعو للعجلة.. كما أن العشاء قد حان.. فلنستمتع بدفئ الطعام الأن.. ودفئ الصحبة.. واللمة حوله.. ثم ليكن الشاي أو الكركدية الساخن من بعده.. لا داعي للعجلة.. كل شئ تحت السيطرة.. وستمضي الأمور كما ينبغي لها ... لنجلس ولنتسامر الآن.. أتُجيد الضرب على الدف؟؟
سيوة:
خشنة جافة كصحرائها.. كرجالها.. أيكون ذلك لأنها بلا أي لمسات أنثوية؟!
لكن طيب طعامها وصفاء سمائها كفيلية لتحمل خشونتها.. صحرائها أيضا ليست بكل ذلك الجفاف والجفاء.. آبارها وعيونها الطبيعية تفي ببعض الوصال أيضا..
المدن كالبشر.. لكلٍ شخصيته... منها اللئيم.. ومنها الكريم.. منها من تمنحك حُبها بلا شرط، ومنها من تمتص منك الحياة بمجرد أن تطأها قدمك. لكن يبقى السؤال. أحقا كانت مجرد نشوة العلاقات العابرة السريعة؟ أم أن القاهرة حقا لعينة؟!
------
ملحوظة: كتبت تلك الخواطر في أوقات متفرقة في عام 2015. ولا أدري كيف نسيتها، حتى أتذكرها الآن فقط!
النهاية - إن فرضنا أنها النهاية - كيان ذو تجارب عديدة وبلا روح، أو بمعنى أدق، بلا هوية.. بلا هدف.. بلا مبدأ... السعي وراء العظمة وفقط بلا اهتمام بالجوهر أو الروح. كل مرة كانت تُنبى فيها كان الهدف منها التفوق على مدينة أخرى ما. وكان التحسين والتجميل من الخارج فقط. جسد مليء بالوشوم الغير مترابطة وإن كان غير ترابطها هذا في حد ذاته مُعبر عن جوهر صاحبها.. ذلك البائس الذي نسي روحه ونفسه في سبيل سعيه المحموم وراء المجد الظاهري.
مسجد المؤيد شيخ وجزء من شارع الغورية من فوق مأذنة باب زويلة. القاهرة، يناير 2014. |
*****
الاسكندرية:كما يُقال عنها دائمًا.. جميلة بهيية..وإن كان من الصعب عليها مقاومة أعراض الشيخوخة. شاخت.. كثيرًا.. لكن روحها وجسدها لازال به بعض الجمال الأصيل.. حتى مع فقدها الكثير من جمالها الظاهري.. أنيقة مع بعض العجز الظاهر. دائما ما أتخيلها كنجمات السنيما الفاتنات في فترة العشرينات وحتي الخمسينات من القرن الماضي. أولئك الفاتنات قديمًا عندما ترى صورة حديثة لهن بعد أن كبرن. وتحاول أنت - جاهدًا - إن تستشف أي مسحة من الجمال الذي اشتهرن بيه في ما مضى.
شاطئ المرسي أبو العباس - الأسكندرية، نوفمبر 2014. |
*****
سيناء:
مَهيبة.. ذات جمال ساحر لكن ليست بالينة السهلة.. عليك فهمها أولا والتعامل معها بحذر واحترام وتقدير شموخها.. لايمكن الاستهانة بها مهما كان .. ولا التعامل معها بسطحية.. إن فهمتها عن صدق ستترك لك حرية استكشاف أعماقها وممراتها الخفية.. ستكشف لك جمالها وأسرارها.. ما إن رأت فيك نباهةً وأنه يمكن الوثوق بك.
نهاية الأخاديد البيضاء، نوبيع، سيناء. ديسمبر 2014. |
*****
أسوان:
النوبة تحديدًا، كما النظرة الحانية في عيون نسائها.. هينة لينة.. وديعة.. ذات أصل ومبدأ.. عزة نفس وعلو همة وقوة.. كل شئ تحت السيطرة فلا داعي للقلق ولنمرح الأن.. ولطول الليل.. ولنتحرك بتروي كما تتحرك مراكبها في النيل.. لا شئ يدعو للعجلة.. كما أن العشاء قد حان.. فلنستمتع بدفئ الطعام الأن.. ودفئ الصحبة.. واللمة حوله.. ثم ليكن الشاي أو الكركدية الساخن من بعده.. لا داعي للعجلة.. كل شئ تحت السيطرة.. وستمضي الأمور كما ينبغي لها ... لنجلس ولنتسامر الآن.. أتُجيد الضرب على الدف؟؟
من سطح مركب في نيل النوبة. أسوان، فبراير 2015. |
*****
سيوة:
خشنة جافة كصحرائها.. كرجالها.. أيكون ذلك لأنها بلا أي لمسات أنثوية؟!
لكن طيب طعامها وصفاء سمائها كفيلية لتحمل خشونتها.. صحرائها أيضا ليست بكل ذلك الجفاف والجفاء.. آبارها وعيونها الطبيعية تفي ببعض الوصال أيضا..
في شارع ما بواحة سيوة. نوفمبر 2014. |
*****
المدن كالبشر.. لكلٍ شخصيته... منها اللئيم.. ومنها الكريم.. منها من تمنحك حُبها بلا شرط، ومنها من تمتص منك الحياة بمجرد أن تطأها قدمك. لكن يبقى السؤال. أحقا كانت مجرد نشوة العلاقات العابرة السريعة؟ أم أن القاهرة حقا لعينة؟!
------
ملحوظة: كتبت تلك الخواطر في أوقات متفرقة في عام 2015. ولا أدري كيف نسيتها، حتى أتذكرها الآن فقط!
No comments:
Post a Comment