كتبت هذه المدونة في وقت ما ما بين 2016-2017، ولسبب ما (لا أذكره حاليا) لم أنشرها. اليوم (5 فبراير 2021) قررت أن أنشرها كما هي بلا أي تعديل، رغم تغير بعض الأفكار والمشاعر، وبلا أي سبب محدد للنشر أو لعدم التعديل!
****
أسوان - فبراير 2015:
بعد كل ما ممرت به، اعتقدت أني صبحت أقوى، لم يعد هناك ما أخشاه، أو ما يُخيفني. لم أكن أعرف أني على وشك مواجهة الأسوء... الأسوء والأكثر قساوة على الإطلاق!
****
ما أن أوشكت المركب أن تتحرك لعرض النهر، مبتعدة عن جزيرة، متجهة إلى أخرى تمكن لنا السباحة بحرية كما كانت خطة الرحلة، حتى فوجئنا بصدمة عنيفة أطاحت بنا جميعا من أماكنا. كنت لحظتها جالسه على حافة المركب الجانبية، وإحدى ساقي متدليه في النهر. أختي كانت جالسة بنفس الطريقة على الجانب الأخر. أما الأختان أخريتان فكانا في مقدمة المركب وعلى الحافة تماما منها.
بطريقة ما (لا أعلمها حتى اللحظة)، عندما اصطدمت المركب بالصخور الغير مرئية أسفلها، "إتنطرت" إلى وسط المركب، وعيني على المقدمة، أحاول تبين الأختين وكلي يقين أنهما قد سقطا في النهر! ما أن رأيتهما ورأيت كل من سقط من على مقعده يقوم معتدلا، فإطمأنيت أن الجميع بخير والحمد لله..
حتى سمعنا، "أنا أقع"!
حتى سمعنا، "أنا أقع"!
كانت هي الوحيدة التي إتنطرت لخارج المركب، ولحسن حظها، ولطف تدابير اللطيف، فقد تمكنت من التشبث بإحدى الأعمدة، مما ساعدها على التمسك بجسم المركب وعدم السقوط كليا في النهر.
لحظة ما رأيتها قلبي وقع في رجلي، وتلاشت كل الموجودات من حولي، تماما كما في الأفلام! قيل لي أن وجهي كان هادئا، لكن لم يدري أحدا أني كنت فاقدة القدرة على التفكير والإحساس وكل شئ! فكرة واحدة فقط سيطرت علي وشلتني عن الإتيان بأي حركة أو كلمة: كان من الممكن أن تغرق! كانت ستغرق حتما ولم يكن لأحد منا أن يدرك إختفائها. لم أكن لأدرك إختفائها! كانت ستسقط في النهر ولأنها لا تعرف السباحة أو أساسيات الطفو ستغرق قبل أن يدركها أحدنا!
كل ذلك كان يدور في ذهني، في حين أسرع إثنان لشدها ورفعها للمركب.
الأزمة هي أني أنا من ستعاني للمرة الرابعة أو الخامسة أو ربما أكثر من عذاب فقد شخص مقرب لي. الموت ما هو إلا إنتقال من عالم لاخر، لا مشكلة في ذلك. المشكلة فيّ أنا. أنا العالقة في هذا العالم، ما أكاد أتعافى من فقد أحدهم، حتى أتجرع عذابات الفقد من جديد، وبأكثر الطرق إيلاما.
كل ذلك كان يدور في ذهني، في حين أسرع إثنان لشدها ورفعها للمركب.
الأزمة هي أني أنا من ستعاني للمرة الرابعة أو الخامسة أو ربما أكثر من عذاب فقد شخص مقرب لي. الموت ما هو إلا إنتقال من عالم لاخر، لا مشكلة في ذلك. المشكلة فيّ أنا. أنا العالقة في هذا العالم، ما أكاد أتعافى من فقد أحدهم، حتى أتجرع عذابات الفقد من جديد، وبأكثر الطرق إيلاما.
أنانية؟! تعتقد أنها أنانية مني أن أفكر بهذه الطريقة؟!
حسنا.. قد لا يستوعب منطقي هذا إلا من ذاقوا ألم الفقد المُفجع. ومن لديه تصالح مع فكرة الموت. لكن هذا ليس موضع نقاش الآن.
المهم هنا هو أن ذلك الموقف وضعني في مواجهة مباشرة وصادمة مع أكثر أنواع الخوف رعبا: الخوف من ألم الفقد. أو الخوف من ألم غير محتمل سبق تجربته بصورة ما. أيا كان نوع الألم، أو ملابساته.
أدركت إني لست بتلك القوة التي بدأت أتخيلها عن نفسي. هناك شيء ما لا أقوى على احتماله، ومجرد ذكره يصيبني بالذعر. شعوري الطاغي بالعجز أما هذا النوع من الخوف جعلني أنهار باكية مختفية عن بقية المجموعة خلف بعض الشجيرات بمجرد وصولنا للجزيرة الثانية. من يعرفني جيدا يعلم أني لا أبكي في العلن أمام غرباء، الأمر أشبه بالتعري على الملاء. إلا أن بعض المواقف تفوق قدرتي على الصمود, هذا كان إحدها. ورغم أني حاولت ألا ألفت الأنظار بإختفائي، بالذات لأختي حتى لا تصاب بذعر أكثر، إلا أن البعض لاحظني. حتى هذه اللحظة ممتنة جدا لمواستهم، بالأخص حضن صديقتان عزيزتان.
المهم هنا هو أن ذلك الموقف وضعني في مواجهة مباشرة وصادمة مع أكثر أنواع الخوف رعبا: الخوف من ألم الفقد. أو الخوف من ألم غير محتمل سبق تجربته بصورة ما. أيا كان نوع الألم، أو ملابساته.
أدركت إني لست بتلك القوة التي بدأت أتخيلها عن نفسي. هناك شيء ما لا أقوى على احتماله، ومجرد ذكره يصيبني بالذعر. شعوري الطاغي بالعجز أما هذا النوع من الخوف جعلني أنهار باكية مختفية عن بقية المجموعة خلف بعض الشجيرات بمجرد وصولنا للجزيرة الثانية. من يعرفني جيدا يعلم أني لا أبكي في العلن أمام غرباء، الأمر أشبه بالتعري على الملاء. إلا أن بعض المواقف تفوق قدرتي على الصمود, هذا كان إحدها. ورغم أني حاولت ألا ألفت الأنظار بإختفائي، بالذات لأختي حتى لا تصاب بذعر أكثر، إلا أن البعض لاحظني. حتى هذه اللحظة ممتنة جدا لمواستهم، بالأخص حضن صديقتان عزيزتان.
نوع آخر من الخوف، الخوف الذي لا دواء له. هو موجود بكيانه المرعب داخلنا. لا يمكن تجاهله. ومجرد ظهور شبحه يثير بنا أقصى أنواع الألم.
أعتقد أن ذلك النوع لا حل للشفاء منه. فليس لنا إلا الدعاء بأن يباعد الله بيننا وبينه. وأن نجاهد سيطرته علينا فلا يتحكم بنا، وألا نكون عبيدا له، أو أن يكون نقطة ضعفنا التي يستغلها البعض ضدنا.
في 2011 على ما أذكر، كنت أتناقش مع صديقة في موضوع ما، فجاء في حديثها معي نهاية رواية 1984. وقتها لم أفهم المغزى وراء فكرة إن البطل تحمل كل أنواع التعذيب، لكنه إنهار عند نوع معين منه (الفئران على ما أذكر)، ولم يستطع مقاومته . بدت لي وقتها أنها فكرة سخيفة جدا. كيف لشخص تحمل كل ما مر به من ضغوط، لكنه إنهار تماما أمام خوفه من الفئران؟! أعتقد أني الأن أفهم.
الجانب الرائع أننا - أنا وأختي- لم ندع الصدمة من التمكن بنا في لحظتها. دقائق من وصولنا لتلك الجزيرة (وبعد أن إنتهيت من البكاء)، حتى كنا فوق سطح المركب، نشجع بعضنا على القفز في النهر. لا نعلم السباحة، وبالكاد نحاول استيعاب ما ممررنا به منذ دقائق، ولا نعلم مدى عمق المياه (أي نعم لم نقفز في منتصف النهر حيث العمق السحيق، مازلنا قرب الشاطئ)، لم نكن ننوي السباحة أصلا وبالتالي لم يكن معنا ملابس خاصة للسباحة، لكننا قفزنا بكامل ملابسنا.. وكانت واحدة من أمتع اللحظات في تلك الرحلة.
ملحوظة: أعتقد - والله أعلم - أننا لم نكن لنقفز لولا فرقة الإنقاذ المكونة من صديقان كانا في انتظارنا في الأسفل D: ... فالشكر موصول لهما.
****
أفلامي المفضلة عن الخوف:
- اسماء (2011).
Batman Begins (2005) -
The Dark Knight Rises (2012) -
ParaNorman (2012) -
Monsters Inc. (2001) -
Finding Nemo (2003) -
Revolutionary Road (2008) -
The Mist (2007) -
No comments:
Post a Comment