Friday, February 14, 2014

دعاء...


ولما انتهى من الصلاة رفع يديه إلى السماء يدعو:

"أعوذ بك اللهم من شر فتنة تطوق من حلت به حياته ضنكا. رجعت إليك فاقبل رجوعي، وقلب قلبا طال إعراضه عنكا.

اللهم يا أول كل شئ، وغايته، جعلت السعادة إدراك الكمال والخير، وأنت غاية الكمال، ومبدع الخير، ونحن لسنا سوى سائرين إليك، نلحظ نورك على مرآة نفوسنا، خلسات لذيذة نومض ثم تخمد.
تخمدها سرابيل أجسادنا التي لا طاقة لنا بها، ومهما حاولنا يخوننا سلطاننا عليها.

اللهم إني أسألك ياواجب الوجود، ياعلة العلل، ياقديم لم يزل، أن تعصمني من الزلل، وتفسح لي في الأجل، وتجعل أملي فيما ترضاه لي من عمل.. يالله.

سبحانك، جعلت الطريق إليك رياضة كله، لاراحة فيه ولا قرار. خلقت الإنسان في كبد، حتى لا يحيد عقله عنك، فيظل يرجو منك العون والعلو، سعيا حتى يرى الحق في كل شئ، وتصير خلسة الوميض نورا صافيا، وينطبع الكون كله، من موجده إلى أصغر ما فيه، نقشا في نفسه.
وكلما زاد استبصارا.. ازداد استعدادا للسعادة وكأنه ليس يتبرأ الإنسان عن هذا العالم وعلائقه إلا حين يكون قد أكد العلائق معك فصار له شوق إليك وعشق يصده عن الالتفات إلى ما سواك.

 نحاذي بمرآتنا شطر الحق، وغايتنا أن ينالها من نوره قبس، فمن تم له قرب المقدس سعد وسكن.

اللهم، وقد حجبتُ مرآتي عنك بلهو، هذا عهدي ألا أتركها بغير رياضة، وتزكية، إيمانا بك وتمسكا بسنة نبيك، وعملا بالحق وأكلا للحلال وتجنبا للمعاصي.

إلهي.. لن أدع فكري يرحل إلا في جلال الملكوت، وجناب الجبروت، أقصره عليه، لاأتعداه، سأظل بالخيال حتى يصير تخيل الواجب والصواب هيئة نفسية راسخة، ويكون هواي تبعا لما شرعت، فأتحرك إليك، من دون إحجام، كما يصعد البخار إلى السماء خفيفا، لاأثر لجذب الأرض عليه.

اللهم أعني لأترك الكذب، قولا وتخيلا، فتصير في نفسي هيئة صدوقة تحبها، وتسعدني. هبني حب الأخيار وحب تقويم الأشرار. واجعل نفسي الناطقة فوق نفسي الشهوانية، فبالأولى أسير إليك، وبالثانية أخلد إلى الأرض.

اللهم ليس لك شريك فأرجوه ولا وزير فأرشوه.

اللهم وقد منحتني الوقوف بين يديك، لا شيء حولي سوى جليل صنعك، سمائك المزينة، وصحراؤك الساكنة، وأنا عبدك الضعيف، خذ بيدي في طريقك معرفتك، لا يصرفني عنك شيء، فما أذنت لي بمعرفته عرفته، وما لم تأذن لي به، صُرف عني، ولو طرقت له كل طريق،ومشيت له كل سبيل.

أرسلت إلينا رسلك.. 
كل من كشفت لنا بهم جمال خلقك هم رسلك..
بداخلهم سكن العالم.. 
يسمعون همسه إليهم في كل حين.. 
قلقون حين لا يدركون ما هم فيه.. 
تنازعهم نفوسهم إلى السمو.. 
غرباء أغيار عمن حولهم.. 
حتى إذا طاف بهم النداء: "قم إلى الدنيا فاكشف أسرارها.." 
ولم يعلموا أي سر سيكشفون، قالوا:" من نحن حتى نكشف أسرار العالم؟.. لسنا سوى طلاب معرفة دميت أظفارهم بحثا عنها؟!"..
"قم إلى الدنيا.. واكشف للناس جمالها"!! .. 
قلق من سمع النداء، وأحس العجز. 
ولا عون على ذلك لمن لم تعنه.
إذ ليست كل طباع الخلق قابلة لذلك، القليل هم الذين أعددت نفوسهم لقبول صور العالم كما خلقتها.

من صفت نفوسهم حتى يتلقوا الأمر منك وحيا، كانوا أنبياء يوحى إليهم. وقد ختمتهم بمصطفاك محمد عليه الصلاة والسلام.
ومن كانوا دونهم، خبأت لأجلهم كتاب الكون من حولنا، ليقرؤوه.
فهم يربون أنفسهم لتكتشف لهم منه أسرار تقربهم بها إليك.
فلكيون رحلوا في السماء يسمعون نغم أجرامها.
وأطباء أناملهم تتحسس طينة الخلق الأول، يستنطقون أخبارها.
ورياضيون، بكشفون لغة العالم، ميزانه وسر أسراره.
حركة الكون نغم...
والنغم يارب رقم..
والرقم.. نقش الجمال في جبين العالم.
وأنت.. مبدع الكل.
خالقُ العقل.
محيطٌ بسر الوجود.

هبني عقلا نقيا، يرى نورك فيسى إليه ولا ينكره. وحسا يحسن جس الأبدان، والنفوس، ويعرف مكمن المرض فيهما، فتصلح بي أبدان الناس وعقولهم.

أقمني حيث تعلم مني نبوغا وبراعة، وأخرج من نفسي أجمل ما فيها لك، واستعمله في إعمار هذه الأرض، ورقني بذلك في درك الجمال. 

اللهم إنك سجنت نفسي في سجن من العناصر الأربع. ووكلت بافتراسها سباعا من الشهوات جائعة، وأوجبت عليها رضاها والانقياد معها إلى هواها وقربتها بالعالم المغضوب عليه، اللهم مجد لها بالعصمة، وتعطف عليها بالرحمة التي هي أليق بك، وبالكرم الفائض الذي هو منك أجدر وأخلق، وامنن عليها بالتوبة العائدة بها إلى عالمها السماوي، وعجل لها بالأوبة إلى مقامها القدسي، وأطلع هلى ظلماتها شمسا من العقل الفعال، وأمط عنها ظلمات الجهل والضلال.. الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور.

اللهم ألهمني الهدى، وثبت إيماني بالفنا، وبغض إلي حب الدنيا.. 

وصل اللهم على سيد المرسلين، محمد المصطفى، وآله ينابيع الهدى، الدالين على الطريقة المثلى، وعلى صحبه الكرام، السادة الأعلام، واجمعني بهم يوم الجمع يا أرحم الراحمين".

من رواية "الرئيس" - محمد العدوي

Saturday, February 1, 2014

مستلزمات الرجاء

ومما ينبغي أن يعلم أن من رجا شيئا استلزم رجاؤه ثلاثة أمور:
أحدها: محبته ما يرجوه.
الثاني: خوفه من فواته.
الثالث: سعيه في تحصيله بحسب الإمكان.

وأما رجاء لايقارنه شيء من ذلك فهو من باب الأماني. والرجاء شيء والأماني شيء آخر. فكل راج خائف، والسائر على الطريق إذا خاف أسرع السير مخافة الفوات.
 
وفي جامع الترمذي، من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خاف أدلج (سار بالليل)، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة".

وهو سبحانه كما جعل الرجاء لأهل الأعمال الصالحة، فكذلك جعل الخوف لأهل الأعمال الصالحة. فعلم أن الرجاء والخوف النافع هو ما اقترن به العمل. قال الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * وْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ" - (المؤمنون - 57:61). 

وقد روى الترمذي في جامعه عن عائشة رضى الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقلت: "أهم الذين يشربون الخمر ويزنون ويسرقون؟"، فقال: "لا يا إبنة الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون، يخافون أن لا يتقبل منهم، أولئك يسارعون في الخيرات".

والله سبحانه وصف أهل السعادة بالإحسان مع الخوف، ووصف الأشقياء بالإساءة مع الأمن. ومن تأمل أحوال الصحابة رضى الله عنهم وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف.

فهذا الصديق كان إذا قام إلى الصلاة كأنه عود من خشية الله عز وجل. وهذا عمر بن الخطاب قرأ سورة الطور إلى قوله "إن عذاب ربك لواقع" فبكى وإشتد بكاؤه حتي مرض وعادوه. وقال له إبن عباس: "مَصّر الله بك الأمصار، وفتح بك الفتوح، وفعل وفعل...؟!" فقال: "وددت أني أنجو لا أجر ولا وزر".

وهذا عثمان بن عفان كان إذا وقف على القبر يبكى حتى تبل لحيته وقال: "لو أننى بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي لإخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير". وهذا على بن أبي طالب رضي الله عنه كان يشتد خوفه من أثنتين: طول الأمل واتباع الهوي. قال: "فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما إتباع الهوي فيصد عن الحق، ألا وإن الدنيا قد ولت مدبرة، والآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولاتكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولاحساب، وغدا حساب ولا عمل".

قال البخاري في صحيحه: "باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر".

من كتاب: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي - لإبن القيم الجوزي