واحدة من الأسئلة الذكية والشيقة جدا اللي ممكن أي حد مهتم بصناعة السينما يتسألها هي: لو في فيلم اتعمل بالفعل شايف أنك ممكن تكون أنت مُخرجه، إيه هو الفيلم دا؟ وليه؟
ودا سؤال مختلفة تماما عن سؤال إيه فيلمك المُفضل، أو اللي أحداثه شبه أحداث من حياتك، أو اللي لازم يشوفه أي حد بيحب السينما، أو اللي نفسك تعيش أحداثه، أو أكتر فيلم أثر فيك بشكل ما. هنا السؤال بيحاول يستكشف إنت "كمُخرج" بتفكر إزاي؟ بتشوف العالم من حوليك إزاي؟ إيه شكل العَالَم اللي إنت قادر على تخيله وخلقه؟
ودا سؤال مختلفة تماما عن سؤال إيه فيلمك المُفضل، أو اللي أحداثه شبه أحداث من حياتك، أو اللي لازم يشوفه أي حد بيحب السينما، أو اللي نفسك تعيش أحداثه، أو أكتر فيلم أثر فيك بشكل ما. هنا السؤال بيحاول يستكشف إنت "كمُخرج" بتفكر إزاي؟ بتشوف العالم من حوليك إزاي؟ إيه شكل العَالَم اللي إنت قادر على تخيله وخلقه؟
لسنين مكنتش عارفه أجاوب على السؤال دا. لحد يمكن من 3 سنين تقريبا، لما شوفت Dhobi Ghat (Mumbai Diaries) للمره الأولى. وفضل متربع لوحده في القائمة دي، لحد لما إنضم له Away We Go من كام اسبوع.
فاحتفالا بإن القائمة بتكبر ما شاء الله، قررت أتكلم عن الفيلمين دول، وتحديدا من ناحية ليه حابه أكون مُخرجتهم إذا كان ليا إني أكون يعني في عالم موازي مثلا.
Dhobi Ghat (Mumbai Diaries) Kiran Rao, 2010 |
تنويه: أنا مونتيرة في المقام الأول، دي موهبتي ومهنتي. أطمح أكون مُخرجة\مُنتجة مُنفذة أي صورة من صور التعبير البصري الـ non-fiction أو فيديو كليب بالكتير مثلا. لكن إخراج أفلام روائية مش في قائمة الحاجات اللي شايفه نفسي عايزه أخرجها، وإن كنت حابه جدا ونفسي أخوض تجربة مونتاج أي عمل روائي. بالتالي إجابتي على السؤال لا تتضمن القدرة التقنية أو الرغبة الفعلية للإخراج.
*****
# Dhobi Ghat - المدن والبشر وما بينهما:
دايما دايما دايما بيكون للأماكن والمدن تأثير قوي عليا. ومقتنعه إن كل مكان له تأثيره على الناس اللي عايشيين فيه. على طريقة تفكيرهم، وطريقة تعاملهم مع الأشياء الملموسة والغير ملموسة حولهم، ورؤيتهم لنفسهم ولبقية الكون، سواء عن وعي أو لأ. أول مره أخذ بالي من دا يمكن لما سافرت اسكندرية أول مره في 2010. ومن وقتها ولحد آخر مرة سافرت فيها للأقصر وأسوان والاسكندرية في اسبوعين ورا بعض في يناير وفبراير اللي فاتو، والقناعة دي متغيرتش.
ودا كان أحد أسباب محاولاتي في "الحياة في القاهرة" في الفترة 2013-2015. ومازال أحد أسباب حبي للسفر، وكل محاولاتي للكتابة عن السفريات دي، أو محاولات التصوير الفوتوغرافي، أو حتى الفيديو كلها بتتمحور حولين استكشاف العلاقة دي بيني وبين المكان اللي بروحه، أو بين المكان وبين الناس اللي كانو أو لسه عايشين فيه.
Dhobi Ghat (Mumbai Diaries) - 2010 |
لحد اللحظة، مشفتش فيلم قدر يجسد علاقة المكان\المدينة بالبشر بالجمال والرقة والحدس زي ما Kiran Rao ما عملت في الفيلم دا. أربع شخصيات رئيسية ومومباي هي الشخصية الخامسة اللي ليها دور في حياة كل واحد من الأربعة، بنفس قوة تأثيرهم على بعض.
في كم رهيب من التشابهه بين اللي خلقته Kiran في الفيلم، وبين اللي بيلفت انتباهي شخصيا لما أروح مكان ما. التفاصيل الصغيرة جدا في طريقة تعامل كل شخصية مع المدينة. من أول المشهد الافتتاحي، مرورا بطموحات وأحلام كل شخصية، وتعاملهم مع واقعهم المفروض عليهم، لحد مرحلة الاستسلام له أو الـ letting go.
كَمّ قصص ومواقف مشابهه مريت بيها في الفيوم أو النوبة أو سيوة أو استنبول، أو اتحكت لي من ناس قابلتهم في كاترين مثلا أو في البحاروة. وأحلامي إني في يوم أقدر أعبر عن كل دا بشكل ما بصريا، أو حتى بالكتابة كأضعف الإيمان. فتيجي Kiran وتعبر عنه كله بكل سلاسه وحميمية.
Dhobi Ghat (Mumbai Diaries) - 2010 |
للأسف - أو يمكن لحسن الحظ، مش عارفه! - دا الفيلم الوحيد اللي من تأليف وإخراج Kiran. هي في الأصل executive producer. دورها تساعد مُخرجين تانين إن أفلامهم تتنفذ وتطلع للنور. فللأسف مفيش معلومات كتير الواحد يقدر يستشف منها هي بتفكر إزاي أو بتشوف العالم إزاي. بس مجرد مشاركة الجزء الصغير دا من عالمها مع الناس فهو كفيل إنه يخليني أحبها جدا.
فيلم شاعري، بعيد تماما عن الشكل المتعارف عليه للسينما الهندية بأنماطها المشهورة، سواء استيلات بوليوود الزاعقة، أو حتى الكلاسكيات التقيلة، واللي بالمناسبة Kiran وزوجها Aamir Khan (اللي كمان قام بتمثيل أحد الشخصيات الرئيسية في الفيلم وشاركها في الإنتاج) الاتنين اشتغلو فيهم وحققو شهرة ونجاحات تجارية وفنية ومكانة من خلالهم. من أول Lagaan: Once Upon a Time in India (2001) لحد Dangal (2016) أو حتى Taare Zameen Par (2007).
****
# Away We Go - والبحث عن السند والأمان والوطن:
"كنت هتقبل الفيلم دا إزاي لو إتفرجت عليه وأنا في العشرينات؟".. دا السؤال اللي فضل معلق في ذهني بعد فرجتي على الفيلم للمرة الأولى.. ولسه معلق بعد الفرجة للمرة التالتة أو الرابعة يمكن.
هل كنت هقدر أتفهم مخاوف الثنائي Burt وVerona عن الوالدية ومسؤلية الإتيان بطفل للعالم دا زي ما أنا قادرة دلوقتي؟ هل كنت هلقط الشبه بين رحلة بحثهم عن أصدقاء ومجتمع وبيت شبههم أو على الأقل متقبلهم بلا شرط، وبين نفس الرحلة اللي كنت بخوضها - بدون أي اختيار أو ترتيب أو ادراك مني - وأنا في العشرينات؟
الحقيقة... معرفش!! مش عارفه أجاوب على الأسئلة دي!
بس اللي أعرفه إنهم شبهي جدا دلوقتي.. خصوصا Verona. معرفش بقى هل دا بسبب إني في نفس سنهم، فهي طبيعة مرحلة عمرية بمتطلباتها بمخاوفها بطموحاتها بالأسئلة الوجودية اللي بتشغلها. ولا لإني - تقريبا يعني - خلصت الرحلة زيهم، ووصلت لمرحلة التصالح والـ settle in زيهم. ومعضلة "مش عارفه أنا عايزه إيه، بس اللي شيفاه متاح قدامي مش هو اللي عايزاه" مبقتش مأزماني زي قبل كدا. حتى رعبي من الخلفة والأمومة والـ parenting، بقيت متقبلة فكرة إنه في أنواع من الخوف لا يمكن القضاء عليها بالكلية، وهتفضل ملازمة الواحد زي ضله طول حياته، وإنه محتاج بس يتعلم إزاي يتعايش معاها بشكل إيجابي.
Away We Go (2009) |
فيلم من أخف أفلام Sam Mendes روحًا وأثرًا وظلًا، وحتى ميزانيةً وحجمًا. ويمكن Sam من المخرجين اللي صعب شوية تخمن هو بيشوف العالم إزاي لأنه - أولا - مش بيكتب الأفلام اللي بيخرجها. وثانيا، ببصة سريعة على أعماله، الواحد ممكن ياخد انطباع إن مفيش حاجة مشتركة ما بينهم، ودا مش صحيح إطلاقًا.
في تيمتين رئيسيتين الواحد ممكن يستشفهم في أفلام Mendes عمومًا. الأولي، الوالدية وعلاقة الآباء بالأبناء. ودي ظهرت في:
التانية، الشخصية اللي بتحاول تلاقي معنى لحياتها عن طريق الهروب من عيوبها وضعفها، بالايمان بحاجة ما كبيرة وبراقة، تغطي احساسها بعدم الرضا عن نفسها. ودا كان في:
هنا بيتكلم عن الوالدية وعلاقة الآباء بالأبناء. لكن المرة دي الشخصيتين الرئيسيتين متصالحين مع عيوبهم ومخاوفهم. أو يعني بمعنى أدق، مبيحاولوش يغطو عليها بشعارات رنانة زي مثلا الثنائي في Revolutionary Road أو American Beauty. وطبعا انبسطت جدا لما لقيته قال في انترفيو إن الفيلم دا أقرب لطريقة تفكيره ورؤيته للحياة عن Revolutionary Road.
ثالثا، Sam له باع طويل وكبير وتقيل في المسرح أنا معرفش عنه أي حاجه حتى اللحظة. دا غير إن فيلمين جيمس بوند اللي أخرجهم مش ناوية أشوفهم الصراحة، لأني مش من هواة النوعية دي من الأفلام. وكمان فيلم 1917 (2019) مختلف تماما عن كل ما سبق. فهو مخرج مش سهل خالص قراءته بطريقة واحدة. مش زي مثلا Asghar Farhadi اللي كل أفلامه عن كدبة بيضا صغيرة بتحول حياة الكل لجحيم. أو Christopher Nolan اللي كل أفلامه عن ناس عندها مشكلة مع الوقت والزمن.
****
فيلم عن الواحد وعلاقته بالمدينة الكبيرة المحيطة بيه. وفيلم عن الواحد وأسرته الصغيرة والدايرة الإجتماعية الضيقة المحيطة بالأسرة دي. أظن دا كل اللي بهتم بيه وشاغل تفكيري حاليا. وحتى اللحظة، دول أكتر فيلمين معبرين عن إزاي بشوف العلاقات دي.
لو شوفتو واحد من الفيلمين دول قولولي رأيكم.. ولو ليكم إنكم تخرجو فيلم موجود بالفعل، إيه هو؟ وليه؟
No comments:
Post a Comment