المكان: مكة ،شعابها بالتحديد.
الزمان: القرن السادس الميلادي. قرن نموذجي للأوضاع السيئة التي تسقط فيها الإنسانية بين عصر وآخر. قرن غارق في ظلمة حالكة. والحروب تصبغ وجه العالم بلون الدم. والأديان السماوية لم تعد سماوية بأي شكل من الأشكال وسقطت بين فكي الإفراط والتفريط ولم تنج من مظاهر الوثنية والشرك التي اقتبستها من المدنيات الأخرى…. والمعادلة القديمة إياها: الأغنياء يزدادون غنى. والفقراء يزدادون فقراً. والظلم. الظلم. الظلم.
المناسبة: فرصة البشرية الأخيرة، لتغيير ذلك كله.
وذلك الرجل، ينسحب من مجتمعه الجاهلي بكل تقاليده وعاداته ومكرساته، ليدخل الغار، متأملاً في ذلك كله، ومتعبداً دون طقس معين… وذلك الغار: حفرة في الجبل، ظلمة ورطبة. تعطي لذلك الرجل ما يريده... عزلته السرية وتأملاته الخاصة. في ظلمة الغار يجد عزاء ومواساة للظلمات الأخرى التي يغرق فيها المجتمع… وفي رطوبته ما ينسي ولو مؤقتاً ذاك الجفاف الذي يطغي على العالم في طبيعة علاقاته وعاداته.
وحتى تلك اللحظة، كان يبدو لظاهر العيان أن ذلك الرجل المتعبد في غار حراء مرشح ليكون واحداً من هؤلاء الرجال المنسحبين اللذين تصير حياتهم فيما بعد مداراً خاصة لا علاقة لها بما حولها.. حتى تلك اللحظة... بدا ذلك الرجل أنهُ سيكون واحداً من تلك الأقلية المستنكرة، مثل الأحناف أو بعض النصارى من العرب، ممن لا يصل استنكارهم إلى درجة التمرد، وبالذات لا يصل لدرجة محاولة تغيير الأوضاع..
حتى تلك اللحظة، كان كل شيء يسير بشكل يسر الشيطان لأنه يحقق قسمهُ العتيق "فبعزتك لأغوينهم أجمعين". كانت الأديان قد فقدت محتواها الإنساني والروحي معاً. وصارت مجرد طقوس وشعائر لا تغني شيئاً فضلاً عن انحرافاتها الوثنية. وهؤلاء الزهاد المنسحبون... لا صوت لهم ولا دعوة. مجرد أناس على هامش المجتمع..
والمجتمعات البشرية تسير في خطاها المحمومة نحو هاويتها، لاهيةً عن مصيرها بحروبها وعبثها وشهواتها... كانت السماء صامتة – مكفهرة... وكانت الصحراء خرساء كما لو كانت تخفي في أعماقها سراً دفيناً .
كل ذلك كان قبل لحظات... وكان يمكن أن يستمر دهوراً أخرى. لكن حدث خلال لحظة ما غير ذلك كله .. لم يعد ذلك الانسحاب هروباً وعزلة... بل صار انفتاحا نحو العالم كله.. الغار... من ظلمته أنبعث نور غطى وجه العالم أجمع... وذلك الرجل الذي كان مرشحاً ليصير واحداً من أولئك الزهاد المنفصلين عن المجتمع والواقع والتأريخ ... ذلك الرجل صار أمة ... عندما جاءت تلك اللحظة... اللحظة... الذروة.
كل ذلك حدث عندما جاء الملك للغار وقال لذلك الرجل تلك الكلمة الهائلة الرهيبة: اقرأ…
اقرأ… بعد صمت طويل... دام حوالي خمسة قرون... جاءت كلمة السماء... اقرأ...
اقرأ... إنها أول كلمة اختارها الله ليعرف نفسه إلى نبيه... بل إلى آخر أنبيائه… وهي لا تشبه أبدا الكلمات الأخرى التي قيلت للأنبياء الآخرين… ففي كل الرسالات السابقة كان الخطاب الإلهي يعتمد على أعجاز(حسي)... عصا تسعى... يد بيضاء... طير يعود إلى الحياة… في كل الرسالات السابقة كان الله يخاطب في الإنسان حواسه… لكنه في هذه المرة، ربما لأنها المرة الأخيرة، اختار – عز وجل – طريقة أخرى... مضمون آخر... وصيغة أخرى…
إنه يخاطب أول ما يخاطب العقل الإنساني هذه المرة... دونما اعتماد على الحواس الإنسانية. إنه يؤسس للغة جديدة في العلاقة بين الله والإنسان... لغة تعتمد على العقل.. لذلك تأتي اقرأ... صيغة ورمز لعلاقة جديدة... بطاقة مختلفة لتعريف مختلف يقدم بها الله وحيه الإلهي... و أي كلمة... تلك هي اقرأ.
اقرأ... كلمة السر... الذي لم يعد سراً بل صار جهراً في العقيدة الجديدة... دونما إبهار أو أساطير أو معجزات تشبه القصص الخرافية… وبينما تنام شعوب على خيالات كلمة السر التي تفتح مغارات الكنوز ،فأن كلمة السر هذه قيلت في الغار ثلاث مرات لرجل أمي ولأمته من بعده ففتحت أبواب العلم وآفاق المعرفة، وجنيت كنوز وكنوز للإنسانية عبر القرون التي سادت فيها حضارة اقرأ.
ايدري احد على وجه التحديد في أي مرحلة من مراحل العلم سنكون اليوم لو لم تقال تلك الكلمة "السر" … لكن الذي حدث أن تلك الكلمة التي قيلت في الغار همساً.. صارت شعاراً لحضارة... ومنهاجاً لحياة.. وأول ما انزل من كتاب سيتخذ من الفعل ذاته (اقرأ) اسماً يتلى ويتعبد به في صور وعقول أتباعه…
وكلمة اقرأ لم تكن أول كلمة أنزلت من الوحي فحسب... بل كانت أول فعل أمر أصدره الله إلي رسوله الأخير ، والى أمته من بعده بطبيعة الحال .أي إنها كانت ببساطة شديدة – ودونما تشنجات فقهيه – أول فرض فُرِضَ على محمد (صلى الله عليه وسلم).
القراءة.. أول فرض في الإسلام ، قبل الصلاة والصوم والزكاة والحج. وبعبارة أخرى... كانت كلمة (اقرأ) الشاملة هي المدخل الذي فُرِضَتْ عبره كل الفرائض الأخرى… وبعبارة أوضح و أدق.. كان العلم – بمعناه الشمولي والواسع – هو الإطار الذي من خلاله أخذت كل الفرائض الإسلامية موقعها الذي حددته الشريعة فيما بعد…
الحديث عن علاقة الإسلام بالعلم بات حديثاً مكرراً استهلكت فيه المعاني ونفذت وهو حديث يرتكز على الاستشهاد بعدد من الآيات القرآنية التي تشيد بالعلم والعلماء، وعلى كثرة تكرار لفظة علم ومشتقاتها (البالغة حوالي 439 مرة) في القران الكريم – ليستنتج أن الإسلام (حث) على العلم، و أن هذا الحث هو التغيير المنطقي للطفرة العلمية التي أنجزتها الحضارة الإسلامية…
للوهلة الأولى، تبدو مقدمات الاستشهاد ونتائجه صحيحة. لكن عندما يفكر المرء أن الوحي الإلهي بدء بإقرأ، فإنه يقر أن الأمر أكثر من مجرد حث، وان الطفرة العلمية الإسلامية أكثر من مجرد استجابة لهذا الحث… عندما يبتدئ الوحي بإقرأ، فالأمر أكثر من الاستحباب وأكثر حتى من الوجوب. انه يقع في منطقة خارج التقسيمات الاصطلاحية التقليدية.. ويقع في منطقة عميقة جدا في البناء الإسلامي... في الأساس، في الأركان، في القاعدة.
وهذا ما كان واضحا، دونما تنظير فكري – بل كواقع يومي معاش لأفراد الجيل الأول، وهو الذي شكل الدفعة العلمية الكبيرة التي أنجزتها الحضارة الإسلامية. أما أن نتصور أن (الحث) والأوامر الإسلامية بطلب العلم قد حققت ذلك الوثوب وتلك الطفرة – فهو أمر اقرب إلى السذاجة منه إلى النظر والتحقيق العلمي…
لقد كان الإسلام لغة جديدة. روحاً جديدة. مضموناً جديداً بصياغة جديدة للعلاقات الإنسانية مع بعضها ومع الله. وكانت المفردة الأولى التي تكونت في هذه اللغة الجديدة – بالأبجدية الجديدة – هي كلمة اقرأ.
لكن الرجل الذي أنزلت عليه اقرأ كان أميا. وقد ظل علماؤنا لفترة طويلة يفسرون ذلك انه من أدلة النبوة وأوجه الإعجاز في مواجهة المشككين بصدق نبوة محمد (عليه الصلاة والسلام)… لكن الانطلاق من أرضية التصديق بالنبوة يمنح ذلك التناقض الظاهري بين اقرأ وبين أمية النبي أفقا واسعا للتأمل وفضاءاً رحباً للتعليق…
إنه يحرر القراءة من أسوارها الأبجدية وحدودها اللغوية – على سعتها – ليطلقها في عالم المعاني شديدة الثراء والخصوبة… انه يحرر القراءة من المفاهيم الجامدة للتلقين الغبي إلى قراءة ما هو غير مكتوب في بطون الكتب… انه دعوة لقراءة كتاب الكون المفتوح، المتمثل في كل ذرة من ذرات الخليقة… والمتجسد في كل حبة رمل ونسمة هواء وثمرة شجر… انه دعوة للقراءة في كتاب النفس الإنسانية... في كل نزعة خير ونزوة شر، وعاطفة حب تهف بها النفس نحو الجمال والسمو أو تسقط بها نحو الرذيلة أو الانحدار…
وهكذا فأقرا هي دعوة لقراءة الكون بأجمعه... الخليقة بأجمعها... والتاريخ... والنفس البشرية… إنها دعوة استقراء واستنباط وتبحر عميق في العلاقة الحتمية بين الأسباب والمسببات وهي ذات الدعوة التي تمخضت فيما بعد بما يسمى اليوم بالمنهج التجريبي في العلوم – والتي كانت من أهم ركائز الانطلاقة الإسلامية في الحركة العلمية. والتي تعتمد على الملاحظة والاستنتاج لكنها بدأت حقا في الواقع اليومي المعاش، من (اقرأ) التي بدأت بملاحظة الظواهر البسيطة المحيطة بالفرد البسيط ولا تنتهي حتى بالكون العميق...
ولو تابعنا الحديث الذي روته السيدة عائشة والذي أورده البخاري في صحيحه لوجدنا نصا شديد الخصوبة يحدثنا فيه الرجل نفسه عن تجربته الهائلة الأولى مع الوحي… والذي يتضح من متابعة الحديث، أن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام كان يعي- وان كان بغموض- منذ اللحظة الأولى ضخامة الكلمة التي أنزلت عليه . كان يعلم إنها تتجاوز حدود القراءة الاعتيادية إلى أفق غير منظور.
فهو ينكر الطلب "ما أنا بقارئ" –ثلاثا– وهو يرجع بها و يرجف بها فؤاده ويقول "لقد خشيت على نفسي" – وقبلها يطلب "زملوني زملوني" فزملوه حتى "ذهب عنه الروع". كل ذلك يؤكد بشكل قاطع انه عليه أفضل الصلاة والسلام كان يدرك منذ اللحظات الأولى لرسالته أهمية ما جرى له وأهمية ما نزل به الوحي. ولم ينقل عنه أبداً انه استشكل أمر القراءة وهو الأمي – وهذا يعني انه كان يعي أن أمر القراءة يتجاوز الشكل الحرفي – الأبجدي – إلى معنى الوعي والاستقراء كله ثم أكد له ورقة بن نوفل ما كان يدور في وعيه: "هذا الناموس الذي نزل الله على موسى"...
ولم تكن سوى ثلاث آيات لكن ورقة وجد فيها الناموس، ووجدها سحيقة القدم عميقة الجذر تتصل بموسى – بعمق التاريخ. ثم قال منبهاً: "ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك" ولعل محمداً كان يعلم الجواب – أو يخالجه – إذ سأل: "أو مخرجيَّ هم؟" لضخامة الكلمة - الناموس- التي ألقيت عليه، فيجيبه ورقة ما يجيبه، وضمن الجواب "نعم"!
وعندما نزل وحي السماء "اقرأ" بعد ذلك الصمت الطويل لم يحدث شيء. لم تنطفئ الشمس. لم ينشق القمر. لم تتعطل قوانين الفيزياء ولا لحظة واحدة. لم تسقط الشهب والنجوم ولم يتصدع إيوان كسرى ولا عرش قيصر. لم يحدث شيء على الإطلاق. ولم يسمع أحد خارج الغار هذه الكلمة الهمسة التي جاء بها الملك إلى محمد ولو انه لم ينقل الخبر لما عرف أحد. لم يحدث شيء غير طبيعي بتاتا،ً فقط كلمات قيلت في أذن الرجل وقلبه في غار مظلم في شعاب مكة.
ظل الحال على ما هو عليه: الشمس تشرق وتغيب في مواعيدها والكون كله سائر على الخطة المحكمة المرسومة له بإتقان دون أن يتأثر بما حدث. هذه المرة- وهي المرة الأخيرة بالمناسبة- لن يكون هناك أي داع لتحدي قوانين الفيزياء… الأكثر من ذلك أن هذه الرسالة ستكون في حقيقتها صلحاً مع هذه القوانين لا تحدياً. هذه المرة سيكون التغيير في الداخل، في العقل، في القلب، في الوعي، سيكون التغيير في الإنسان وهو الذي سيفعل الباقي. ماذا كان سيفيد لو انشق القمر أو تصدع إيوان كسرى أو انطفأت الشمس؟. المهم إن ينشأ وعي جديد لمفاهيم جديدة ليكون مجتمعاً آخرا هو الذي يصدع إيوان كسرى أو عرش قيصر. لذلك نقول بفخر: لم يحدث شيء بتاتاً. وكان ذلك منسجماً اشد الانسجام مع فحوى ومضمون الكلمة الأولى... اقرأ.
كانت تلك هي الولادة الجديدة للوعي الإنساني. وللعقل الإنساني التي حدثت في غار حراء. أما المخاض – مخاض الوعي – فسيستمر فترة طويلة تتجاوز حتى الـ 23 عاما التي كونت عمر الدعوة… وعبر القرون سيعاني المخاض كثيرون، أولئك يجددون الوعي المسلم والفكر المسلم، بل يبعثون للأمة دينها (كما جاء في الحديث الصحيح) إنهم يمنحون للقراءة أبعادها المتجددة المتفاعلة مع إرهاصات الواقع وتراكمات الخبرة الإنسانية…
من جاهلية مشركي مكة إلى نظام العولمة المهيمنة، يظل جوهر المخاض واحداً. إنها (اقرأ). حتى وان غفلنا عنها لقرون، تخفت أحياناً ويكون صوت الضجيج أعلى من همسة الغار، لكنها هناك موجودة، في الأعماق، وإذا أنصتنا قليلاً لنبض الوعي، فستكون همسة الغار أعلى من كل الأصوات، أقوى من كل الأصوات… ابلغ من كل الأصوات...
من سعة الأفق الذي انطلقت فيه تلك الكلمة – اقرأ- إلا إنها مع ذلك مبنية على قواعد وأسس متينة، والاهم من ذلك.. ثابتة. ولعلنا هنا يجب أن نسجل أن الثبات ليس عيبا نخجل منه ونتجاهله – كما هو المعتاد اليوم في عصر يفخر بأنه عصر المتغيرات السريعة. نعم. هناك متغيرات، ولكن هناك أيضا ثوابت. ونحن لا نخجل إذ نقر: في ديننا ثوابت. في عقيدتنا ثوابت. في حضارتنا ثوابت وفي مفاهيمنا ثوابت. ولذلك فقراءتنا أيضاً مستندة إلى ثوابت.
وهذه الثوابت هي قاعدة رؤية وأساس لنظر، إنها العصب البصري الذي يغذي العين التي تقرأ، والبصيرة التي تستوعب… وهذه الثوابت لا تمارس دوراً انتقائياً سلطوياً فوقياً على موضوع القراءة – أو النظر… فالعالم كله، الخليقة كلها، بل تفاصيلها وكل تدرجاتها، تظل ميداناً مفتوحاً لإقرأ… لكن الانطلاق نحو ذلك يظل محكوماً بالقواعد القرآنية. بالرؤية القرآنية. بالمقاصد الثابتة للشريعة التي تتوجه نحو ما هو ثابت – وهي مقاصد مستقاة من القران نفسه… فاقرأ تتكامل وتتحد – بالقران –عبر القران تتوضح زوايا الرؤية ويصير القران نفسه قراءة للعالم والخليقة والكون ككل…
و (إقرأ) تمثلت في منجزات حضارية مختلفة ومتنوعة – كانت في حقيقتها جوهر الحضارة التي ارتكزت على همسة الغار… فمرة تمثلت في فقه متجدد قائد يتجدد مع تطورات المجتمع والظروف. ومرة تمثلت في عدالة اجتماعية شملت كل مواطنيها في البلدان المفتوحة ايضاً… وتمثلت في صراع متأجج بين قوى متناحرة، ومتنافرة: الأولى التزمت بـ (إقرأ) المتجددة الفهم للمقاصد والثانية حاولت الزام قراءة واحدة – جاهلية غالباً- على الواقع والمجتمع…
ورغم اختلاف الشعارات، وتبدلها بين الحين والاخر… فان إقرأ، كانت دوماً هناك في العمق، خلف الكواليس وخلف الستار. وعندما اختفت (إقرأ)، صارت مجرد كلمة دون المعاني والافاق والمقاصد، صار الصراع يمثل – رؤى جامدة ومتوارثة دون ذلك الفهم، دون ذلك التجدد، دون تلك المقاصد أي باختصار: دون ذلك الاسلام – الحقيقي.
في البدء كانت إقرأ ؟ لا. ليس في البدء فقط. انها في البداية والنهاية وفيما بينهما. إنها الأمر الأول – الفرض الأول غير القابل للاستئناف او النسخ. والذي لا يكسب فعاليته وحيويته الا باستمراره على كل الأوامر التالية – بل كل الأمور التالية – والتي لا تكتسب – هي الأخرى – فعاليتها الا بالتعامل مع الأمر الأول: إقرأ… لذلك فان إقرأ ليست مجرد بداية تاريخية لنزول الوحي. إنها البداية والنهاية وما بينهما. إنها جوهر الحكاية بأكملها. الحكاية التي لم تنته بعد!
منقول من بعض مقدمة كتاب البوصلة القرآنية للدكتور أحمد خيري العمري
الزمان: القرن السادس الميلادي. قرن نموذجي للأوضاع السيئة التي تسقط فيها الإنسانية بين عصر وآخر. قرن غارق في ظلمة حالكة. والحروب تصبغ وجه العالم بلون الدم. والأديان السماوية لم تعد سماوية بأي شكل من الأشكال وسقطت بين فكي الإفراط والتفريط ولم تنج من مظاهر الوثنية والشرك التي اقتبستها من المدنيات الأخرى…. والمعادلة القديمة إياها: الأغنياء يزدادون غنى. والفقراء يزدادون فقراً. والظلم. الظلم. الظلم.
المناسبة: فرصة البشرية الأخيرة، لتغيير ذلك كله.
وذلك الرجل، ينسحب من مجتمعه الجاهلي بكل تقاليده وعاداته ومكرساته، ليدخل الغار، متأملاً في ذلك كله، ومتعبداً دون طقس معين… وذلك الغار: حفرة في الجبل، ظلمة ورطبة. تعطي لذلك الرجل ما يريده... عزلته السرية وتأملاته الخاصة. في ظلمة الغار يجد عزاء ومواساة للظلمات الأخرى التي يغرق فيها المجتمع… وفي رطوبته ما ينسي ولو مؤقتاً ذاك الجفاف الذي يطغي على العالم في طبيعة علاقاته وعاداته.
وحتى تلك اللحظة، كان يبدو لظاهر العيان أن ذلك الرجل المتعبد في غار حراء مرشح ليكون واحداً من هؤلاء الرجال المنسحبين اللذين تصير حياتهم فيما بعد مداراً خاصة لا علاقة لها بما حولها.. حتى تلك اللحظة... بدا ذلك الرجل أنهُ سيكون واحداً من تلك الأقلية المستنكرة، مثل الأحناف أو بعض النصارى من العرب، ممن لا يصل استنكارهم إلى درجة التمرد، وبالذات لا يصل لدرجة محاولة تغيير الأوضاع..
حتى تلك اللحظة، كان كل شيء يسير بشكل يسر الشيطان لأنه يحقق قسمهُ العتيق "فبعزتك لأغوينهم أجمعين". كانت الأديان قد فقدت محتواها الإنساني والروحي معاً. وصارت مجرد طقوس وشعائر لا تغني شيئاً فضلاً عن انحرافاتها الوثنية. وهؤلاء الزهاد المنسحبون... لا صوت لهم ولا دعوة. مجرد أناس على هامش المجتمع..
والمجتمعات البشرية تسير في خطاها المحمومة نحو هاويتها، لاهيةً عن مصيرها بحروبها وعبثها وشهواتها... كانت السماء صامتة – مكفهرة... وكانت الصحراء خرساء كما لو كانت تخفي في أعماقها سراً دفيناً .
كل ذلك كان قبل لحظات... وكان يمكن أن يستمر دهوراً أخرى. لكن حدث خلال لحظة ما غير ذلك كله .. لم يعد ذلك الانسحاب هروباً وعزلة... بل صار انفتاحا نحو العالم كله.. الغار... من ظلمته أنبعث نور غطى وجه العالم أجمع... وذلك الرجل الذي كان مرشحاً ليصير واحداً من أولئك الزهاد المنفصلين عن المجتمع والواقع والتأريخ ... ذلك الرجل صار أمة ... عندما جاءت تلك اللحظة... اللحظة... الذروة.
كل ذلك حدث عندما جاء الملك للغار وقال لذلك الرجل تلك الكلمة الهائلة الرهيبة: اقرأ…
اقرأ… بعد صمت طويل... دام حوالي خمسة قرون... جاءت كلمة السماء... اقرأ...
اقرأ... إنها أول كلمة اختارها الله ليعرف نفسه إلى نبيه... بل إلى آخر أنبيائه… وهي لا تشبه أبدا الكلمات الأخرى التي قيلت للأنبياء الآخرين… ففي كل الرسالات السابقة كان الخطاب الإلهي يعتمد على أعجاز(حسي)... عصا تسعى... يد بيضاء... طير يعود إلى الحياة… في كل الرسالات السابقة كان الله يخاطب في الإنسان حواسه… لكنه في هذه المرة، ربما لأنها المرة الأخيرة، اختار – عز وجل – طريقة أخرى... مضمون آخر... وصيغة أخرى…
إنه يخاطب أول ما يخاطب العقل الإنساني هذه المرة... دونما اعتماد على الحواس الإنسانية. إنه يؤسس للغة جديدة في العلاقة بين الله والإنسان... لغة تعتمد على العقل.. لذلك تأتي اقرأ... صيغة ورمز لعلاقة جديدة... بطاقة مختلفة لتعريف مختلف يقدم بها الله وحيه الإلهي... و أي كلمة... تلك هي اقرأ.
اقرأ... كلمة السر... الذي لم يعد سراً بل صار جهراً في العقيدة الجديدة... دونما إبهار أو أساطير أو معجزات تشبه القصص الخرافية… وبينما تنام شعوب على خيالات كلمة السر التي تفتح مغارات الكنوز ،فأن كلمة السر هذه قيلت في الغار ثلاث مرات لرجل أمي ولأمته من بعده ففتحت أبواب العلم وآفاق المعرفة، وجنيت كنوز وكنوز للإنسانية عبر القرون التي سادت فيها حضارة اقرأ.
ايدري احد على وجه التحديد في أي مرحلة من مراحل العلم سنكون اليوم لو لم تقال تلك الكلمة "السر" … لكن الذي حدث أن تلك الكلمة التي قيلت في الغار همساً.. صارت شعاراً لحضارة... ومنهاجاً لحياة.. وأول ما انزل من كتاب سيتخذ من الفعل ذاته (اقرأ) اسماً يتلى ويتعبد به في صور وعقول أتباعه…
وكلمة اقرأ لم تكن أول كلمة أنزلت من الوحي فحسب... بل كانت أول فعل أمر أصدره الله إلي رسوله الأخير ، والى أمته من بعده بطبيعة الحال .أي إنها كانت ببساطة شديدة – ودونما تشنجات فقهيه – أول فرض فُرِضَ على محمد (صلى الله عليه وسلم).
القراءة.. أول فرض في الإسلام ، قبل الصلاة والصوم والزكاة والحج. وبعبارة أخرى... كانت كلمة (اقرأ) الشاملة هي المدخل الذي فُرِضَتْ عبره كل الفرائض الأخرى… وبعبارة أوضح و أدق.. كان العلم – بمعناه الشمولي والواسع – هو الإطار الذي من خلاله أخذت كل الفرائض الإسلامية موقعها الذي حددته الشريعة فيما بعد…
الحديث عن علاقة الإسلام بالعلم بات حديثاً مكرراً استهلكت فيه المعاني ونفذت وهو حديث يرتكز على الاستشهاد بعدد من الآيات القرآنية التي تشيد بالعلم والعلماء، وعلى كثرة تكرار لفظة علم ومشتقاتها (البالغة حوالي 439 مرة) في القران الكريم – ليستنتج أن الإسلام (حث) على العلم، و أن هذا الحث هو التغيير المنطقي للطفرة العلمية التي أنجزتها الحضارة الإسلامية…
للوهلة الأولى، تبدو مقدمات الاستشهاد ونتائجه صحيحة. لكن عندما يفكر المرء أن الوحي الإلهي بدء بإقرأ، فإنه يقر أن الأمر أكثر من مجرد حث، وان الطفرة العلمية الإسلامية أكثر من مجرد استجابة لهذا الحث… عندما يبتدئ الوحي بإقرأ، فالأمر أكثر من الاستحباب وأكثر حتى من الوجوب. انه يقع في منطقة خارج التقسيمات الاصطلاحية التقليدية.. ويقع في منطقة عميقة جدا في البناء الإسلامي... في الأساس، في الأركان، في القاعدة.
وهذا ما كان واضحا، دونما تنظير فكري – بل كواقع يومي معاش لأفراد الجيل الأول، وهو الذي شكل الدفعة العلمية الكبيرة التي أنجزتها الحضارة الإسلامية. أما أن نتصور أن (الحث) والأوامر الإسلامية بطلب العلم قد حققت ذلك الوثوب وتلك الطفرة – فهو أمر اقرب إلى السذاجة منه إلى النظر والتحقيق العلمي…
لقد كان الإسلام لغة جديدة. روحاً جديدة. مضموناً جديداً بصياغة جديدة للعلاقات الإنسانية مع بعضها ومع الله. وكانت المفردة الأولى التي تكونت في هذه اللغة الجديدة – بالأبجدية الجديدة – هي كلمة اقرأ.
لكن الرجل الذي أنزلت عليه اقرأ كان أميا. وقد ظل علماؤنا لفترة طويلة يفسرون ذلك انه من أدلة النبوة وأوجه الإعجاز في مواجهة المشككين بصدق نبوة محمد (عليه الصلاة والسلام)… لكن الانطلاق من أرضية التصديق بالنبوة يمنح ذلك التناقض الظاهري بين اقرأ وبين أمية النبي أفقا واسعا للتأمل وفضاءاً رحباً للتعليق…
إنه يحرر القراءة من أسوارها الأبجدية وحدودها اللغوية – على سعتها – ليطلقها في عالم المعاني شديدة الثراء والخصوبة… انه يحرر القراءة من المفاهيم الجامدة للتلقين الغبي إلى قراءة ما هو غير مكتوب في بطون الكتب… انه دعوة لقراءة كتاب الكون المفتوح، المتمثل في كل ذرة من ذرات الخليقة… والمتجسد في كل حبة رمل ونسمة هواء وثمرة شجر… انه دعوة للقراءة في كتاب النفس الإنسانية... في كل نزعة خير ونزوة شر، وعاطفة حب تهف بها النفس نحو الجمال والسمو أو تسقط بها نحو الرذيلة أو الانحدار…
وهكذا فأقرا هي دعوة لقراءة الكون بأجمعه... الخليقة بأجمعها... والتاريخ... والنفس البشرية… إنها دعوة استقراء واستنباط وتبحر عميق في العلاقة الحتمية بين الأسباب والمسببات وهي ذات الدعوة التي تمخضت فيما بعد بما يسمى اليوم بالمنهج التجريبي في العلوم – والتي كانت من أهم ركائز الانطلاقة الإسلامية في الحركة العلمية. والتي تعتمد على الملاحظة والاستنتاج لكنها بدأت حقا في الواقع اليومي المعاش، من (اقرأ) التي بدأت بملاحظة الظواهر البسيطة المحيطة بالفرد البسيط ولا تنتهي حتى بالكون العميق...
ولو تابعنا الحديث الذي روته السيدة عائشة والذي أورده البخاري في صحيحه لوجدنا نصا شديد الخصوبة يحدثنا فيه الرجل نفسه عن تجربته الهائلة الأولى مع الوحي… والذي يتضح من متابعة الحديث، أن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام كان يعي- وان كان بغموض- منذ اللحظة الأولى ضخامة الكلمة التي أنزلت عليه . كان يعلم إنها تتجاوز حدود القراءة الاعتيادية إلى أفق غير منظور.
فهو ينكر الطلب "ما أنا بقارئ" –ثلاثا– وهو يرجع بها و يرجف بها فؤاده ويقول "لقد خشيت على نفسي" – وقبلها يطلب "زملوني زملوني" فزملوه حتى "ذهب عنه الروع". كل ذلك يؤكد بشكل قاطع انه عليه أفضل الصلاة والسلام كان يدرك منذ اللحظات الأولى لرسالته أهمية ما جرى له وأهمية ما نزل به الوحي. ولم ينقل عنه أبداً انه استشكل أمر القراءة وهو الأمي – وهذا يعني انه كان يعي أن أمر القراءة يتجاوز الشكل الحرفي – الأبجدي – إلى معنى الوعي والاستقراء كله ثم أكد له ورقة بن نوفل ما كان يدور في وعيه: "هذا الناموس الذي نزل الله على موسى"...
ولم تكن سوى ثلاث آيات لكن ورقة وجد فيها الناموس، ووجدها سحيقة القدم عميقة الجذر تتصل بموسى – بعمق التاريخ. ثم قال منبهاً: "ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك" ولعل محمداً كان يعلم الجواب – أو يخالجه – إذ سأل: "أو مخرجيَّ هم؟" لضخامة الكلمة - الناموس- التي ألقيت عليه، فيجيبه ورقة ما يجيبه، وضمن الجواب "نعم"!
وعندما نزل وحي السماء "اقرأ" بعد ذلك الصمت الطويل لم يحدث شيء. لم تنطفئ الشمس. لم ينشق القمر. لم تتعطل قوانين الفيزياء ولا لحظة واحدة. لم تسقط الشهب والنجوم ولم يتصدع إيوان كسرى ولا عرش قيصر. لم يحدث شيء على الإطلاق. ولم يسمع أحد خارج الغار هذه الكلمة الهمسة التي جاء بها الملك إلى محمد ولو انه لم ينقل الخبر لما عرف أحد. لم يحدث شيء غير طبيعي بتاتا،ً فقط كلمات قيلت في أذن الرجل وقلبه في غار مظلم في شعاب مكة.
ظل الحال على ما هو عليه: الشمس تشرق وتغيب في مواعيدها والكون كله سائر على الخطة المحكمة المرسومة له بإتقان دون أن يتأثر بما حدث. هذه المرة- وهي المرة الأخيرة بالمناسبة- لن يكون هناك أي داع لتحدي قوانين الفيزياء… الأكثر من ذلك أن هذه الرسالة ستكون في حقيقتها صلحاً مع هذه القوانين لا تحدياً. هذه المرة سيكون التغيير في الداخل، في العقل، في القلب، في الوعي، سيكون التغيير في الإنسان وهو الذي سيفعل الباقي. ماذا كان سيفيد لو انشق القمر أو تصدع إيوان كسرى أو انطفأت الشمس؟. المهم إن ينشأ وعي جديد لمفاهيم جديدة ليكون مجتمعاً آخرا هو الذي يصدع إيوان كسرى أو عرش قيصر. لذلك نقول بفخر: لم يحدث شيء بتاتاً. وكان ذلك منسجماً اشد الانسجام مع فحوى ومضمون الكلمة الأولى... اقرأ.
كانت تلك هي الولادة الجديدة للوعي الإنساني. وللعقل الإنساني التي حدثت في غار حراء. أما المخاض – مخاض الوعي – فسيستمر فترة طويلة تتجاوز حتى الـ 23 عاما التي كونت عمر الدعوة… وعبر القرون سيعاني المخاض كثيرون، أولئك يجددون الوعي المسلم والفكر المسلم، بل يبعثون للأمة دينها (كما جاء في الحديث الصحيح) إنهم يمنحون للقراءة أبعادها المتجددة المتفاعلة مع إرهاصات الواقع وتراكمات الخبرة الإنسانية…
من جاهلية مشركي مكة إلى نظام العولمة المهيمنة، يظل جوهر المخاض واحداً. إنها (اقرأ). حتى وان غفلنا عنها لقرون، تخفت أحياناً ويكون صوت الضجيج أعلى من همسة الغار، لكنها هناك موجودة، في الأعماق، وإذا أنصتنا قليلاً لنبض الوعي، فستكون همسة الغار أعلى من كل الأصوات، أقوى من كل الأصوات… ابلغ من كل الأصوات...
من سعة الأفق الذي انطلقت فيه تلك الكلمة – اقرأ- إلا إنها مع ذلك مبنية على قواعد وأسس متينة، والاهم من ذلك.. ثابتة. ولعلنا هنا يجب أن نسجل أن الثبات ليس عيبا نخجل منه ونتجاهله – كما هو المعتاد اليوم في عصر يفخر بأنه عصر المتغيرات السريعة. نعم. هناك متغيرات، ولكن هناك أيضا ثوابت. ونحن لا نخجل إذ نقر: في ديننا ثوابت. في عقيدتنا ثوابت. في حضارتنا ثوابت وفي مفاهيمنا ثوابت. ولذلك فقراءتنا أيضاً مستندة إلى ثوابت.
وهذه الثوابت هي قاعدة رؤية وأساس لنظر، إنها العصب البصري الذي يغذي العين التي تقرأ، والبصيرة التي تستوعب… وهذه الثوابت لا تمارس دوراً انتقائياً سلطوياً فوقياً على موضوع القراءة – أو النظر… فالعالم كله، الخليقة كلها، بل تفاصيلها وكل تدرجاتها، تظل ميداناً مفتوحاً لإقرأ… لكن الانطلاق نحو ذلك يظل محكوماً بالقواعد القرآنية. بالرؤية القرآنية. بالمقاصد الثابتة للشريعة التي تتوجه نحو ما هو ثابت – وهي مقاصد مستقاة من القران نفسه… فاقرأ تتكامل وتتحد – بالقران –عبر القران تتوضح زوايا الرؤية ويصير القران نفسه قراءة للعالم والخليقة والكون ككل…
و (إقرأ) تمثلت في منجزات حضارية مختلفة ومتنوعة – كانت في حقيقتها جوهر الحضارة التي ارتكزت على همسة الغار… فمرة تمثلت في فقه متجدد قائد يتجدد مع تطورات المجتمع والظروف. ومرة تمثلت في عدالة اجتماعية شملت كل مواطنيها في البلدان المفتوحة ايضاً… وتمثلت في صراع متأجج بين قوى متناحرة، ومتنافرة: الأولى التزمت بـ (إقرأ) المتجددة الفهم للمقاصد والثانية حاولت الزام قراءة واحدة – جاهلية غالباً- على الواقع والمجتمع…
ورغم اختلاف الشعارات، وتبدلها بين الحين والاخر… فان إقرأ، كانت دوماً هناك في العمق، خلف الكواليس وخلف الستار. وعندما اختفت (إقرأ)، صارت مجرد كلمة دون المعاني والافاق والمقاصد، صار الصراع يمثل – رؤى جامدة ومتوارثة دون ذلك الفهم، دون ذلك التجدد، دون تلك المقاصد أي باختصار: دون ذلك الاسلام – الحقيقي.
في البدء كانت إقرأ ؟ لا. ليس في البدء فقط. انها في البداية والنهاية وفيما بينهما. إنها الأمر الأول – الفرض الأول غير القابل للاستئناف او النسخ. والذي لا يكسب فعاليته وحيويته الا باستمراره على كل الأوامر التالية – بل كل الأمور التالية – والتي لا تكتسب – هي الأخرى – فعاليتها الا بالتعامل مع الأمر الأول: إقرأ… لذلك فان إقرأ ليست مجرد بداية تاريخية لنزول الوحي. إنها البداية والنهاية وما بينهما. إنها جوهر الحكاية بأكملها. الحكاية التي لم تنته بعد!
منقول من بعض مقدمة كتاب البوصلة القرآنية للدكتور أحمد خيري العمري
No comments:
Post a Comment