# ... وبكيت... وكرهت حتى الموت لحظات الحصار، وامتهان الانسان لأنه يؤمن بشئ، أو يناصر ما يعتقد أنه الصواب، وكرهت كل محاولة لاجباره بالجوع أو القهر على أن يكون غير ما يريده لنفسه.
# ... وكنت قد توصلت إلى فرضية ليست خاطئة تماما: "ان عذاب مصر" الحقيقي، قد بدأ منذ حُصر العقل المصري في اطار المسلمات النهائية، التي لا تقبل المناقشة - وكان هدف الغزاة و الطغاة باستمرار أن يفقدوا هذا العقل قدرته على التفكير والحركة، لذلك ركزوا كل جهدهم على تحطيم حيويته، و تبديد قدراته الخارقة على الابتكار و الملاحة في البحار الصعبة. و كان اخطر ما فعلوه أن حولوا هذا العقل الى عقل يعرف جيدا علامات "التنصيص"، ويجهل علامات "الاستفهام" و "التعجب"، عقل يفتقد تدريجيا الى "الحاسة النقدية" التي تمكنه من تحطيم المحرمات التي تحول بينه وبين الثورة على واقعه و انتزاع مقدراته من أيدي الطغاة و الغزاة...
# رأس سليمان الحلبي - التى قطعوها بعد ذلك - كانت خالية من ذلك الذي يسمونه "احلام المجد". وكان هدفه عاريا عن أي تزويق أو تهويل أو أوهام بشرية. لذلك جاءت كلماته بسيطة، فهو لم يكم يملك خبرة كليبر الواسعة في وضع هالات العظمة حول ما يفعل، ومن المؤكد أنه كان خاليا تماما من أي احساس مريض بالذات، أو حرص على إبراز مظاهر العنجهية وسمات العظمة، كما كان غريمه القائد الالزاسي يفعل عادة. كان شابا تطهريا يرى المسائل فى مباشرتها و نقائها، ففعل ما فعل، لان "مراده أن يغازي - اي يجاهد - في سبيل الله" لا لشئ اكثر من ذلك..
والمواجة الدموية التي حدثت في "وراق العنب" - الذي اصبح الان شارعا تدوسه السابلة - بين "سليمان الحلبي" وبين "جان باتيست كليبر" تُصور على لسان مؤرخين كثيرين باعتبارها مواجهة بين رجل متعصب مصاب بهستيريا - او هلاوس - دينية، وبين قائد عظيم من ابناء حضارة الحرية والاخاء والمساوة، جاء لينشر العلم والعمران والتقدم في الوطن العربي الجاهل والمتخلف، ولينقله من القرون الوسطى الى العصر الحديث..
تلك بعض أكاذيب المؤرخين، وهى ليست قليلة، فلا احد يعرف - على وجه التحديد - أين تكمن الحضارة فى تاريخ الجينرال "جان باتيست كليبر"، و لا احد يستطيع أن يظبط ذلك الانتماء لمقولات الثورة الفرنسية فيما فعله - هو و سيده "بونابرت" - بأهل "القاهرة" و أهل "يافا" وأهل "رشيد"، وكل الذي نضبطه، هو المدافع والبنادق والبارود و المذابحو القسوة التى لاحد لها، وحفنة من الشعارات عن الحرية و الاخاء و المساواة، اعترف "بونابرت" - بعد ذلك في مذكراته التى كتبها فى منفاه بسانت هيلانه - بأنها كانت دجلا من اعلى طراز! (*)
من كتاب: حكايات من دفتر الوطن
للكاتب: صلاح عيسى
-----------------------
(*) عن نفسى، لست من مؤيدى "الحل عن طريق الاغتيالات"! ولكن - حسب ما فهمت - فان الكاتب ايضا "قد" يكون من الذين لا يؤيدون سياسة الاغتيالات! و تعليقه هذا على حادث اغتيال "كليبر" انما هو انتقاد لما "ادعاه" المؤرخون عن كلا من "الحلبي" و "كليبر" و اهداف الحملة الفرنسية "النبيلة"!! ايضا، استطعت ان استشف ما اراد الكاتب ان يوصله من تحليل ضمنى لدوافع "الحلبي" لقتل "كليبر"! وكيف كان الظلم جليا للحلبي، فاتخذ من دوره موقفا. في حين تاه الكثيرون - ممن يحسبون من ذو الرأي و العلم و التقى - في حسابات ما قد يلاقونه من مواجهة الظلم بكلمة الحق!! على اي حال، هو تحليل جيد جدا كتب باسلوب اكثر من ممتع!
-----------------------
(*) عن نفسى، لست من مؤيدى "الحل عن طريق الاغتيالات"! ولكن - حسب ما فهمت - فان الكاتب ايضا "قد" يكون من الذين لا يؤيدون سياسة الاغتيالات! و تعليقه هذا على حادث اغتيال "كليبر" انما هو انتقاد لما "ادعاه" المؤرخون عن كلا من "الحلبي" و "كليبر" و اهداف الحملة الفرنسية "النبيلة"!! ايضا، استطعت ان استشف ما اراد الكاتب ان يوصله من تحليل ضمنى لدوافع "الحلبي" لقتل "كليبر"! وكيف كان الظلم جليا للحلبي، فاتخذ من دوره موقفا. في حين تاه الكثيرون - ممن يحسبون من ذو الرأي و العلم و التقى - في حسابات ما قد يلاقونه من مواجهة الظلم بكلمة الحق!! على اي حال، هو تحليل جيد جدا كتب باسلوب اكثر من ممتع!
No comments:
Post a Comment